قاض دستورى: مسودة الخبراء معيبة

ما زالت مسودة الدستور التى أعدّتها لجنة الخبراء العشرة لتعديل دستور 2012 تثير الجدل والاعتراضات المتصاعدة على الصعيدين السياسى والقانونى، فرغم أن لجنة إعداده تضم كبار شيوخ القضاة وأساتذة القانون الدستورى فى مصر إلا أن هذا لم يمنع من انتقاد المسودة الجديدة بشدة.
فحسب نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، الذى قال لـ«التحرير» إن الدستور الذى أعدته لجنة العشرة يعانى من 50% من العوار الدستورى بالدستور المعطل، لافتا إلى أن أبرز إيجابيات الدستور الجديد أنه قام بإلغاء مجلس الشورى ونسبة العمال والفلاحين بمجلس الشعب إلى جانب النظر فى إلغاء المادة 219 المفسرة للشريعة الإسلامية، ورغم ذلك خرج عن اللجنة بيان رسمى يؤكد أن موقفها من إلغاء تلك المواد «ليس نهائيا» وأن الأمر فى يد لجنة الخمسين المزمع تشكيلها.
نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، قال لـ«التحرير» إن المسودة الجديدة تعانى من نفس الخلط الحادث فى دستور الإخوان بشأن النظام البرلمانى والرئاسى، كاشفا أن المادة 121 من دستور لجنة العشرة تنص على أن «يختار رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء، ويكلفه بتشكيل الحكومة، وعرض برنامجها على مجلس الشعب خلال ثلاثين يوما على الأكثر، فإذا لم تحصل على الثقة يكلف رئيس الجمهورية رئيسا آخر لمجلس الوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد مجلس الشعب، فإذا لم تحصل حكومته على الثقة خلال مدة مماثلة، يختار مجلس الشعب رئيسا لمجلس الوزراء، ويكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، على أن تحصل الثقة خلال مدة أخرى مماثلة، وإلا يحل رئيس الجمهورية مجلس الشعب، ويدعو لانتخاب مجلس جديد خلال ستين يوما من تاريخ صدور قرار الحل»، مشيرا إلى أنه فى جميع الأحوال يجب أن لا يزيد مجموع المدد المنصوص عليها فى هذه المادة على تسعين يوما، وفى حالة حل مجلس الشعب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس الشعب الجديد فى أول اجتماع له»، وتلك المادة حسب نائب «الدستورية العليا»، تعانى من نفس العيب الدستورى الذى كانت المادة 139 من دستور 2012 تشتمل عليه.
نائب رئيس الدستورية العليا أوضح أن طريقة اختيار رئيس الوزراء الواردة بهذا النص أساسها مستمدّ من النظام البرلمانى الخالص الذى يقوم على مبدئين، رئيس أو ملك يسود ولا يحكم، ورئيس وزراء يحكم من خلال وزرائه بعد أن يحوز ثقة الحزب الفائز فى الانتخابات، وهو ما لا يتفق مع النظام المصرى الذى لا يأخذ بالنظام البرلمانى الخالص، ولا يأخذ بالنظام الرئاسى الخالص الذى لا يوجد به مجلس وزراء من الأصل، والرئيس هو الذى يتولى جميع السلطات، وإنما يأخذ بطرف من كلا النظامين البرلمانى والرئاسى، متسائلا عن كيفية اختيار رئيس الوزراء من بين الحزب صاحب الأغلبية أو الأكثرية فى مجلس الشعب فى ظل الانتخاب بالنظام الفردى.
نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا شدد على أن المادة 135 من المسودة تنص على أنه «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته حل محله رئيس مجلس الوزراء، وعند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل، أو لأى سبب آخر يعلن مجلس الشعب خلو المنصب، ويخطر الهيئة الوطنية للانتخابات، ويباشر رئيس مجلس الشعب مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية، وفى حالة حل مجلس الشعب تحل الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، ورئيسها محل المجلس، ورئيسه فى ما تقدم، وفى جميع الأحوال يجب أن ينتخب الرئيس الجديد فى مدة لا تجاوز مئة وعشرين يوما من تاريخ خلو المنصب، وتبدأ مدة الرئاسة فى هذه الحالة من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، ولا يجوز للقائم بأعمال رئيس الجمهورية أن يترشح لهذا المنصب، ولا أن يطلب تعديل الدستور، ولا أن يحل مجلس الشعب، ولا أن يقيل الحكومة».
وهذا النص، طبقا لكلام نائب رئيس الدستورية العليا، يتضمن نفس العوار الموجود فى المادة 153 من دستور 2012 لأنه جاء قاصرا، لعدم النص على منصب نائب رئيس الجمهورية، مضيفا أنه من غير المعقول أن يجاهد المصريون خلال ثلاثين عاما من حكم نظام مبارك لإقناعه بتعيين نائب لرئيس الجمهورية وعقب ثورة 25 يناير يقوم الدستور الذى وضع تتويجا لهذه الثورة بإلغاء منصب رئيس الجمهورية.
كما أكد قاضى «الدستورية العليا» أن مسودة الدستور اشتملت كذلك على نص يجيز التأميم، وهو جريمة اقتصادية كبرى وباب مفتوح على مصراعيه لإرهاب وهروب المستثمرين، مضيفا أن لجنة العشرة قامت بحذف المادة 39 من دستور 2012 رغم ما بها من ضمانة تمنع الأجهزة الأمنية من دخول أى مكان دون أمر قضائى مسبب.
دستور لجنة العشرة تضمَّن أيضا فى مادته رقم 128 نفس العيب الوارد فى المادة 147 من دستور الإخوان حيث نصت تلك المادة على أن «يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين، والعسكريين، والممثلين السياسيين، ويعفيهم من مناصبهم، ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية وفقا للقانون من شأنه إطلاق يد رئيس الجمهورية فى تعيين وعزل المدنيين بلا ضابط من قانون وهو الأمر الذى قد يسىء رئيس الجمهورية استخدامه».
وكذلك من أبرز سلبيات مسودة الدستور الجديدة، كما قال نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا -الذى فضل عدم ذكر اسمه- إن العلاقة بين رئيس الجمهورية ومجلس الشعب غير واضحة وتتسم بالتنازع والخلاف وفقا لكثير من مواد الدستور، لافتا إلى أن مسودة لجنة العشرة تحتاج إلى مزيد من الدراسة وكثير من موادها تحتاج إلى مزيد من التعديل.
مضيفا أن عدم أخذ اللجنة وقتا كافيا جعلها تغفل تعديل مواد لا يجب الحيد عنها ضاربا المثل بالمادة 12 من المسودة التى تنص على أن «العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ولا يجوز فرض أى عمل جبرا على المواطنين إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل»، وهى المادة التى تسمح بالعمل الإجبارى إلى جانب المادة 23 من المسودة أيضا التى تنص «يقوم الاقتصاد الوطنى على تنمية النشاط الاقتصادى، وتشجيع الاستثمار وفقا لخطة تنمية شاملة تعمل على زيادة الدخل القومى، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدالة التوزيع، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل، والإنتاج، والمحافظة على حقوق العمال، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، وإسهامها الفاعل فى تنفيذ خطة التنمية، وتحقيق أهدافها وتقريب الفوارق بين الدخول من خلال وضع حد أدنى للأجور، والمعاشات يكفل حياة كريمة للمواطنين، وحدا أقصى فى أجهزة الدولة، وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام لا يستثنى منه إلا بناء على قانون»، وهى المادة التى تفتح الباب أمام الاستثناءات فى الحد الأقصى للأجور دون تطبيق ذلك على الحد الأدنى.
التحرير