عتاب سورى.. أين مصر من ثورتنا؟

183

 

 

قالها د. برهان غليون واضحة.. لا يوجد حديث عن الثورة السورية فى الصحافة المصرية، لقد فوجئنا بأن الصحف المصرية لا تغطى ما الذى يجرى لدينا بشكل يتناسب مع تضحيات السوريين اليومية، غالبا السبب هو تقصيرنا نحن. كانت هذه الكلمات بداية لحديث مع عدد من الباحثين المصريين عن مجريات الأزمة السورية فى ضوء الترتيبات التى تتخذ من أجل عقد مؤتمر جنيف 2، فى لقاء نظمته مجلة الديمقراطية التى تصدر عن مؤسسة الأهرام، وشارك فيه أيضاً كل من أ. ميشيل كيلو وأ. هيثم المالح وأ. قاسم الخطيب، وجميعهم من أعضاء الائتلاف السورى المعارض، شارك بعضهم فى الاجتماع الوزارى للجامعة العربية الأخير الذى ناقش التطورات السورية الأخيرة.

والحق أننى لم أدهش من تلك الكلمات التى حملت عتاباً ضمنياً لمصر بعدم الاهتمام المناسب بثورة السوريين من أجل حريتهم وكرامتهم. فإلى جانب تقصير الائتلاف السورى الوطنى، حسب تعبيرات د. برهان غليون المثقف والأكاديمى السورى الشهير، الذى حمل عبء رئاسة الائتلاف عند تكوينه قبل عامين لمدة تصل إلى ستة أشهر – هناك أيضاً تقصير مصرى واضح تتحمله القوى السياسية والائتلافات الثورية والشبابية والحكومات التى تعاقبت علينا منذ سقوط نظام مبارك، ومروراً بإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكم الرئيس المعزول ونهاية بحكومة د. حازم الببلاوى. وجوهر التقصير المصرى هو الانعزال عن الهموم العربية والانكفاء على الذات، والاكتفاء بمتابعة الهم المصرى دون الالتفات الكافى إلى حقيقة أن مصر وريادتها ومكانتها مرتبطة أساساً بتاريخها العروبى بالمعنيين السياسى والاجتماعى، وبقدرتها على التعامل مع التطورات العربية انطلاقاً من رؤية قومية ممزوجة بمهارات قيادية، وتفاعلها الشعبى التلقائى مع تطلعات الشعوب العربية الأخرى. ومن أسف أن تصبح المادة المتعلقة بالشأن العربى فى الإعلام المصرى لا تزيد على 30% مما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011.

وفى حوارنا مع هذه المجموعة من الرموز السورية بدت مفارقة كبرى؛ ففى الوقت الذى يرفع فيه مصريون كثر صورة الرئيس جمال عبدالناصر، وهو من هو كرمز للقومية العربية ولسياسة مصرية خالصة تقوم على الاندماج العضوى بين الشأن المصرى والشأن العربى، انطلاقاً من مبدأ وحدة المصير بين كل العرب من المحيط إلى الخليج – يبدو اهتمامنا كمصريين بالأزمة السورية فى أدنى صوره. ولعل التفسير الأقرب هنا أن الذين رفعوا صور «ناصر» كان دافعهم الضمنى ما يمثله هذا الزعيم من قيمة وفضل لقضية العدل الاجتماعى والندية فى العلاقات الدولية والزعامة المصرية بشكل عام. بيد أن تطورات الأزمة السورية وشمولها لأكثر من بُعد وبروز أدوار الجماعات والميليشيات الإسلامية العنيفة، تدفع الكثيرين من المصريين وبعض العرب أيضاً إلى الالتباس وعدم وضوح الرؤية، ومن ثم غياب الموقف الفاعل والمناسب لدعم السوريين فى ثورتهم المشروعة من أجل حريتهم وكرامتهم. ولا ينكر رموز الائتلاف السورى المعارض أن وجود جماعات الإسلام السياسى المرتبطة بالقاعدة مباشرة أو بفروعها المختلفة كـ«الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، والمعروفة اختصاراً بـ«داعش»، و«جبهة النصرة» و«جيش محمد» و«الجيش الإسلامى» وغيرها – قد أربك المشهد السورى إرباكاً شديداً، وجعل بعض المصريين أصحاب التجربة السلبية مع جماعات الإسلام السياسى، كما جرت وقائعها فى العامين الماضيين تحديداً، أكثر ميلاً لقبول استمرار الأسد ونظامه باعتباره يحارب هؤلاء الإرهابيين. غير أن حقائق الأمور على الأرض السورية، حسب ميشيل كيلو، ليست بهذه البساطة، إذ إن معظم هذه الجماعات الإسلامية العنيفة العاملة فى سوريا هى من نتاج المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية، تأكيداً للصورة الذهنية والدعائية التى سعى إليها النظام السورى بعد أربعة أشهر من بدء فعاليات المقاومة السلمية للسوريين؛ بأن من يتورط فى هذه الثورة هم الإرهابيون الذين يستحقون الموت بأى شكل كان، وبالتالى يصبح الحل الممكن من وجهة نظر نظام الأسد مرتبطاً بزاوية واحدة فقط وهى وقف عنف هذه الجماعات وبالتالى بقاء النظام. وهذا هو ما يسعى إليه الأسد فيما يتعلق بمؤتمر جنيف 2، المزمع عقده فى غضون شهر أو شهرين من الآن، هذا فى حالة إن قبلت المعارضة السورية الشروط التى يضعها النظام وتضمن بقاءه، والتى من شأنها أن تجرد السوريين من حقهم فى التغيير ومحاسبة المتورطين فى جرائم حرب وإبادة جماعية. لقد دفع السوريون -وما زالوا- ثمناً باهظاً؛ فخمسون بالمائة من الشعب السورى إما محاصر فى الداخل أو خرج من الوطن، و60% من منازل سوريا قد تهدمت بالفعل، وهناك ثلاثة أجيال من المجتمع السورى تمت إبادتهم أو أصبحت حياتهم والعدم سواء، وهناك 326 ألف معتقل، و100 ألف آخرون مختفون لا يعلم أحد عنهم شيئاً، و260 ألفاً من الشهداء، و400 ألف من الجرحى، و500 ألف ملاحقون أمنيا، والويل لمن يقع فى أيدى أذناب النظام، والمعوقون تماما يزيدون على 60 ألف سورى. ومجمل هذه الصورة أن ما يزيد على 1.5 مليون سورى قد تعرضوا لأحد أشكال الإبادة. ومدينة كدمشق كانت نموذجاً لحيوية المجتمع السورى ومثالاً لرقى التعاملات الاجتماعية بين السوريين أياً كان منشأهم أو أصلهم أو دينهم، أصبحت مدينة مقسمة ومجزأة على نحو يجعل حياة أهلها كسجن كبير يضم ما يقرب من أربعة ملايين إنسان محطم، إذ فيها 284 حاجزاً ثابتاً للمخابرات والأمن السورى، غير الحواجز الطيارة المتنقلة، وأكبر مسافة يمكن أن يقطعها المرء بلا حواجز لا تزيد على 500 متر.

يتداخل مع هذه الحقيقة عدد من الأبعاد الأخرى التى تجعل الوضع السورى الآن أكثر تعقيداً، فقد تحولت سوريا إلى ساحة صراع دولى إقليمى، وبعد قبول الأسد التخلى عن السلاح الكيميائى مقابل وقف أى عمل عسكرى هددت به الولايات المتحدة، أصبح السوريون الآن أمام مشكلة مركبة، فمن ناحية وعلى الأرض السورية تحول ميزان القوى لصالح النظام فى مواجهة الجيش السورى الحر، ومن ناحية ثانية تعددت قوى المعارضة وتشتتت، ومن ناحية ثالثة أُنهك السوريون فى الداخل إنهاكاً شديداً، والقتل اليومى لم يتوقف أبداً. وبينما يبحث الائتلاف المعارض عن مساندة ودعم سياسى ومادى وعسكرى، تقف مصر فى نقطة البحث عن الذات، وتأكيد قوة الدولة المصرية ومؤسساتها.. وبالتالى يصبح العتاب السورى مقبولاً ولو لبعض الوقت.

 

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى