“نبوءة ذاتية التحقق” أكبر تفسير لما فعلته جماعة الإخوان

هال حداد تكتب عبر فيسبوك : “نبوءة ذاتية التحقق” أكبر تفسير لما فعلته جماعة الإخوان بنفسها وبنا جميعا
” أمينة تعتقد أن زواجها من سعيد سيفشل .. عندها اعتقاد راسخ أن الرجالة خاصة سعيد لا يمكن الثقة بهم بالرغم من أن سعيد يحبها جدا وعمره ما فكر يخونها .. سلوك أمينة في تتبع سعيد من أول يوم في الجواز والشك به وملاحقته دفع سعيد انه يحاول يأكد إخلاصه في البداية..
ده خلى أمينة الفار يلعب في عبها اكتر وتأكدت انه بيخبي حاجة وبذلت جهد أكبر لدفع سعيد لإثبات إخلاصه. تتكرر الحلقة المفرغة مرات حتى تصل إلى مرحلة تدب فيها الخلافات ويتخنق سعيد من أمينة ويفكر يتجوز عليها أو يخونها ما هى كده كده متأكده انه بيخونها .. وينتهي الزواج بالفشل. فتظن أمينة هنا أنها كانت محقة منذ البداية. و لكن الحقيقة أن سلوكها المرتبط بنبوءتها الخاطئة هو الذي افضى إلى تحقق النبوءة.
الكلام ده اسمه في علم النفس الإجتماعي “نبوءة ذاتية التحقق” أو self fulfilling prophecy أو la prophétie auto-réalisatrice .. وهو بالنسبة لي أكبر تفسير لما فعلته جماعة الإخوان بنفسها وبنا جميعا
– في ال18 يوم شارك شباب الجماعة في حماية الميدان وتأمينه وكانوا منفردين و مجموعات من أوائل من شاركوا في الثورة بشكل شخصي .. لدرجة جعلت خالد يوسف وساويرس وغيرهم يعترفوا ويقروا بدور شباب الإخوان مع شباب الأولتراس والذي لولا شجاعتهم لكان التحرير اتفض والإعتصام لم يكتمل
– بعد عدة أشهر من التنحي قابلت اثنين من أعضاء مكتب الإرشاد في تجمع لطلاب وشباب الإخوان (قبل إنفصالي عن الجماعة) .. دار بيننا حديث يتردد في أذني حتى الان .. وجهت لهم بلهجة حادة يملؤها اللوم والضيق اتهام بأن ما يفعلوه من فصل شباب الجماعة المؤسسين لحزب التيار المصري وحملة أبو الفتوح هو أكبر غلط يرتكبونه . ذكرتهم أن لولا هؤلاء الشباب مع غيرهم لما كان ترحيب جموع الشعب بالاخوان بعد الثورة بهذا الشكل .. قلت لهم ان الي عمله الشباب في الميدان في 18 يوم بس قدر يساهم في محو اللي مبارك بقاله 30 سنة بيفتريه عليكم عند الناس حتى اللي مالهش في الاسلاميين .. وان رجوعهم في عهدهم بتاع ال30% على مقاعد البرلمان وفصلهم للشباب بهذا الشكل هيبدأ في إحداث شرخ كبير في ثقة الناس والشعب فيهم .. وان ده نذير سئ وليه بنعمله؟
– فما كان رد أحدهم (هاختصره هنا) إلا: انتي قاعدة تقولي الشعب الشعب .. انتي فاكرة الناس دي هتعمل لنا ايه لما نتلم كلنا في السجون تاني؟ ده مش بس هيقفوا يتفرجوا علينا .. دول مش بعيد يهللوا ويفرحوا !
طبعا الكلام ده بالنسبة لي سبب لي صدمة .. ايه الي يخليكو تتلموا في السجون تاني؟ احنا عملنا ثورة! مين ده الي هيقدر يعمل فيكو كده .. والناس الي قامت بالثورة دي عمرها ما هتسكت على ظلم تاني .. بس لم أجد رد على اسئلتي .. فقط اكتفى هذا الرجل ب “أديني باقول لك أهه”
– من غير كلام كتير .. الي عمله الإخوان من ساعتها كان تحقيق لنبوءة بأنهم مصيرهم السجون مرة أخرى وبأن الشعب لا جدوى من كسب ثقته .. دي كانت نبوءة خاطئة لا يوجد على الأرض ما يثبت صحتها أبدا وان كان ليها صدى تاريخي فالظرف أكيد مختلف .. وبالرغم من ذلك هم تنبؤوا بيها .. وعملوا على أساسها فبالرغم من توليهم الحكم وتصويت الناس لهم في 5 إنتخابات وإستفتاءات متتالية .. أقصوا شباب الثورة .. استفردوا بالحكم .. تحالفوا مع العسكر الظلمة وأجهزة القمع كسبا لثقتهم وودهم .. تعاملوا بمنتهى عدم الشفافية والمشاركة .. رجعوا في الكثير من عهودهم .. أعطوا ظهرهم كجماعة للكثير من الفعاليات ومعارك الثورة المهمة.. أشعلوا فتيل الإستقطاب .. تحالفوا فقط مع أبناء التيار الإسلامي تحت وهم دعم الشريعة .. تبادلوا اتهامات التخوين مع الغير .. حافظوا على جهاز الشرطة العفن كما هو وأغدقوا عليه بالمديح والإمتيازات ..
كتبوا دستور يضمن للعسكر ما لم يضمنه لهم مبارك نفسه .. ركنوا إلى أهلهم وعشيرتهم دونا عن باقي الشعب .. تعاملوا مع كل من أراد مساعدتهم أو مشاركتهم بريبة وسرية شديدة جعلت معظمهم يستقيلوا وينفصلوا .. وغيرها الكثير .. كل ده ليه؟ عشان هم من الأول مقتنعين ان الناس كلها كده كده بايعاهم وانهم مفروض يكسبوا ولاء المؤسسة الوحيدة الي ممكن تبطش بيهم وهى المؤسسة العسكرية .. ولا أحتاج أن أسرد لكم باقي القصة .. فكلنا نعيشها الآن .. فقد وصلنا للنقطة التي تنبأ بها محدثي .. الإخوان ومؤيديهم والمتعاطفين معاهم بيتقتلوا بدم بارد في الشوارع وبيتلموا في السجون .. والشعب واقف يتفرج ويهلل
– بعد كل ده يستخدم الإخوان ما حدث الآن لتبرير ما فعلوه ولتأكيد صدق نبوءتهم وصحتها وان الشعب كده كده كان بايعهم وان العسكر كده كده كان هينقض عليهم واعتبار الأمر دليلاً على سلامة تقديرهم منذ البداية. .. متغافلين عن عمد ان أفعالهم وخطاباتهم وأخطائهم الفادحة هى التي خسرتهم أي تأييد شعبي بعد أن كان الجميع مستعد أن يملأ الميادين ويضحي بحياته لو كان مرسي فقط يطلعنا على الكواليس ويرتكن الينا جميعا عند الشدة لا أهله وعشيرته فقط .. لو كان يشاركنا القرار ويعلن لنا أي تآمر يراه وينفذ شعار “قوتنا في وحدتنا” بجد .. ولكنهم لم يفعلوا وفقدوا الجميع .. فرآهم العسكر فريسة سهلة .. وها نحن جميعا معهم ندفع الثمن
أرفض التحليل الأحادي ولا يمكن اعتبار هذه الظاهرة تفسير رئيسي ولكنه أساسي بالنسبة لي .. وده لا يعني رفع القلم عن أخطاء المعارضة وفشلها أيضا
أرى الآن فصائل أخرى تنتهج نفس السلوك بنفس الإعتقاد لتدفع الوطن في دوامة لا تنتهي من تحقيق نبوءات كاذبة .. إدراك الظاهرة دي والوعي بها مهم ومفيد في قراءة المشهد ومحاولة إصلاحه .. كنت دايما بقرأ عنها وقد ايه هى مفيدة في مجالات زي التسويق والتربية والتنمية البشرية وعلم الإجتماع والنفس .. بس هى بتتجلى بشدة الآن في واقعنا السياسي الملئ بالمآسي
عندما نُعرّف المشهد بطريقة خاطئة من البداية بنرسم في مخيلتنا صورة للمستقبل .. ده بيخلق سلوك جديد بيعزز تحقيق المستقبل الكاذب الصادق في نفس الوقت .. وبيدخلنا في reign of error عهد من سيادة الخطأ يخلينا نفتكر اننا كنا صح من البداية بدليل ان اللي تنبأنا بيه حصل ..
اخبارك