التصالح مع الكون

حالة متصلة وممتدة من الخوف والرعب، والقلق والتوتر، وفقدان الأمان وانتظار المجهول.. الأسباب حقيقية أو مبالغ فيها، لكنها فى كل الأحوال تجعل الناس يعيشون واقفين على أطراف أصابعهم، شاخصة أبصارهم نحو الأفق فى انتظار الكارثة المقبلة.
لماذا -دائماً- هذا الخوف من المجهول؟ المسألة لها جذور فى العقل المادى الوجودى الذى يتصور أنه يعيش فى صراع دائم مع الطبيعة، وعليه أن يسعى لـ«قهر الطبيعة» التى تتربص بالإنسان وتسعى هى أيضاً (بعقل واعٍ) للإضرار به، وتتحايل لتحقيق ذلك بشتى السبل؛ بالكوارث الطبيعية والأمراض والأوبئة والجفاف والفيضانات وغيرها!
ومن الصراع مع الطبيعة انتقلت فكرة الصراع إلى الآخر، أى آخر.
هذا التصور للوجود يختلف تماماً عن التصور الإسلامى الذى يعتقد أن هناك تناغماً وانسجاماً بين الإنسان والكون من حوله، فالكل من خلق الله، الذى سخر الكون لخدمة الإنسان حتى الشمس والقمر، والليل والنهار، والبحار والأنهار، مسخرة لمنفعة الإنسان «وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعاً منه» (الجاثية 13).
لكن هذا التصور الإسلامى للوجود مرتبط بالإيمان وأركانه، والعبادة وشروطها، «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون» (الأعراف 96)، «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً» (نوح 10- 12)، فمن لا يؤمنون ولا يعبدون ولا يطيعون كيف يتحقق لهم الأمن والاطمئنان؟
ولأنهم لا يتصورون الحياة بلا صراع، لذا نجدهم لا يلجأون للقضاء على الأزمات واجتثاث جذورها وإنما يكتفون بمعالجة آثارها. فالأزمة المالية التى أصابت العالم منذ أعوام ولا تزال آثارها ممتدة لليوم سببها الربا المحرم، والجشع المتمثل فى التوسع فى الاقتراض والإقراض لتحقيق أكبر قدر من الفائدة الربوية، والمقامرات وأعمال الميسر والمضاربات والرهانات التى كانت تقوم بها بنوك الاستثمار وصناديق التحوط.. فماذا فعلوا لحل الأزمة؟ لم يواجهوا أصل الداء بمنع المحرم وإحلال بدائل سليمة، بل لجأت الحكومات إلى مزيد من الإقراض، وإن جرى خفض الفائدة الربوية فلم يكن ذلك بسبب الاعتقاد بحرمتها ولا بآثارها الضارة على الاقتصاد ولكنه خفض مؤقت لتشجيع الاستثمار وعودة النشاط الاقتصادى؛ لأن الفكر السائد أن الائتمان فى كل شىء (الاقتراض بالفائدة) محرّك أساسى للنمو الاقتصادى، حتى إن العائلة الأمريكية تعيش على الديون باستمرار ويتم تشجيعها على الاقتراض بغرض الاستهلاك، وقد انتقل هذا السلوك إلى كثير من مجتمعاتنا.
يغرق النظام الرأسمالى فى أزمات كبيرة، لكنها أزمات مطلوبة؛ لأن «الأزمات وحدها -سواء حقيقية أو مصطنعة- يمكنها أن تحقق تغييراً حقيقياً» حسب نظرية رجل الاقتصاد الأمريكى الراحل ميلتون فريدمان التى طرحها فى كتابه «الرأسمالية والحرية».
الخنزير مثال آخر للإصرار على السير فى الطريق الخطأ!! فالخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضاً وبائياً، وهو يختص وحده بنقل 27 مرضاً وبائياً إلى الإنسان عدا عن الأمراض التى يسببها أكل لحمه، ويقوم بدور الوسيط مع وسائط أخرى لنقل المزيد من الأمراض إلى الإنسان. ولا ترتبط أضرار الخنزير -كما هو شائع- بالبيئة القذرة التى يحيا فيها، فالحظائر الصحية النظيفة لا تجدى نفعاً فى منع الأمراض التى ينقلها والدليل أن أكبر عدد من الإصابات بأنفلونزا الخنازير كان فى الولايات المتحدة وليس فى الصين. وبدلاً من الوصول لأصل الداء وهو تحريم أكل لحم الخنزير تراهم يبذلون جهودهم لمواجهة المرض، علماً بأن أنفلونزا الخنازير لم يكن الوباء الأول، ولن يكون الأخير الذى يتسبب فيه الخنزير.
إنه نفس المنطق الذى يجعلهم يبيحون الزنا والعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج ويشجعون على الاختلاط بين الشباب والبنات ثم يقومون بتوزيع موانع الحمل مجاناً ويقيمون مؤسسات رعاية الأمهات القاصرات وتأهيل «الآباء الأطفال» ورعاية الأمهات غير المتزوجات.. ويتقبلون الشذوذ الجنسى فيما يبذلون الأموال الطائلة لمكافحة مرض الإيدز.
يبقى الداء ويكتفون بمعالجة آثاره.. منطق سقيم لا يصلح فاسداً ولا يقيم معوجاً.
الوطن